بســــــــــم الله الرحمن الرحيم
أيا من ليس لي منه مُجير بعفوك من عذابك أستجيرُ
أنا العبد المُقرّ بكلّ ذنب وأنت السيّد المولى الغفورُ
فإن عذّبتني فبسوء فعلي وإن تغفر فأنت به جديرُ
أفرّ إليك منك وأين إلاّ إليك يفرّ منك المستجيرُ
الحمد الله والصلاة والسلام على أفضل الرسل والنبيين استطرقني هاذا الموضوع الذي يكون بنسبه لي يكون مهم ألا وهو بما نسميه الثبات على الالتزام أو الصلاح والهداية لأننا بحاجة الى مثل هذه المواضيع أسأل الله أن ينفع بها أبدأ موضوعي بسم الله وبعد:
الثبات على طريق الهداية :
إن الهداية نعمة من الله عظيمة، ومنة منه جليلة، فبالهداية ينال الإنسان مرضاة الله سبحانه، وبالهداية تكون الراحة والطمأنينة في الدارين، لذلك يضطرب الجنان من خشية الله؛ خوفاً من تبدل الأحوال، وتقلب القلوب، وسوء العاقبة والمآل، ولا يكون الحفاظ عليها إلا بمعرفة الأسباب التي تعين على الثبات على هذه النعمة العظيمة التي امتن الله بها على عباده.
نعمة الهداية وأهميتها[/center]
[
أسباب الثبات على الهداية
1.البعد عن المحارم
من أسباب ثبوت القدم على الهداية واستجلاب الولاية: بُعد العبد عن محارم الله وخوفه وخشيته لله عز وجل، إن تنكب العبد عن صراط الله جل وعلا له أسباب تدعو إلى ذلك، وأعظمها: الميل إلى الهوى، وإيثار الشهوات والشبهات؛ فإذا استدمن القلب حديث النفس الداعية إلى محارم الله تنكب ذلك القلب -والعياذ بالله- عن صراط الله، فينبغي للعبد إذا وجد في نفسه الوساوس والخطرات أن يستعيذ ويستجير ويستغيث بالله سبحانه وتعالى من شرها وضرها. إذا أراد العبد أن تثبت قدمه على الهداية، فليبتعد عن تلك المحارم الموجبة لضعف الإيمان في القلب، وأن يحاول قدر استطاعته إذا وجد من النفس دواعيها أن يكبح جماحها بالخوف من الله تبارك وتعالى، فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
2.مجالسة الصالحين والأخيار[/size]
ومن أسباب الثبات على الهداية: معاشرة الصالحين والأخيار، فإن الجلوس معهم والأنس بهم من أعظم الأسباب الموجبة للهداية، وكذلك الحرص على زيارتهم والتأدب بأخلاقهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الله عز وجل غفر لعبد جلس في مجلس ذكر مرة واحدة فقال: (وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فالجلوس مع الأخيار وزيارتهم من أهم الأسباب الموجبة للثبات على الهداية، فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على الجلوس معهم، فلو سألت القلوب يوماً: من الذي دعاها لمحارم الله؟ من الذي زين لها الشبهات والشهوات، ومهد السبيل لمحارم الله؟ لوجدت وراء ذلك قرين السوء والعياذ بالله! فهو الذي زين كأس الخمر وجعلها ألذ إلى النفس حتى أعرضت عن الله حين شربتها؟ وهو الذي حبب إليك الزنا وقربك منه ومهد السبيل إليه، فهؤلاء هم شياطين الإنس والجن؛ فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على البعد عمن لا خير فيه، والله إذا أراد أن يثبت قدم عبده على الهداية؛ دعاه إلى كراهية الأشرار، وجعل قلبه لا يرتاح لهم ولا للجلوس معهم؛ ولذلك بلغت الهداية ببعضهم أنه يقلق إذا مر عليه من عصى الله خشية أن يذكره بمعصيته. إخواني! إن كثيراً ممن أكرمهم الله بالهداية قد يتساهلون في هذا الأمر العظيم، فتارة تجدهم يجلسون مع من لا خير فيهم ويتساهلون في ذلك، ووالله إنه لخطرٌ عظيم! فمن تعرف على الله وامتلأ قلبه بالإيمان بالله، فإن قلبه لن يسكن فيه غير داعي الله ومحبته، ولذلك لن يجتمع في قلب عبد محبة الله ومحبة عدوٍ لله أبداً، ولن تدخل محبة الله إلى قلب عبد أدخل معها شريكاً يضادها؛ لأنه إما أن تكون محبة لله خالصة تنتفي معها محبة ما سواه إلا أن يكون حبيباً لله، وإما العكس والعياذ بالله! فينبغي للإنسان أن يحذر من الجلوس مع الأشرار؛ لأن الجلوس والضحك واللهو معهم من الأمور التي توجب للعبد الردى وتورده موارد الشهوات والهوى؛ ولذلك من تعود على مجاملة الأشرار فلا يلومنّ إلا نفسه.
3.قراءة القرآن[/size]
ومن الأسباب الموجبة للهداية: كثرة تلاوة القرآن، فإن القرآن شفاء القلوب والأرواح، وكثرة تلاوة القرآن -خاصة أثناء قيام الليل- من أعظم الأسباب الموجبة للثبات على الهداية، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الأمة إيماناً، فقد تفطرت قدماه في القيام بين يدي الله في جوف الليل؛ فمن حبب الله إلى قلبه قيام الليل ثبتت له تلك القدم على الهداية، فتعود -أخي في الله- على قراءة القرآن في ليلك ولو جزءاً واحداً تتقرب إلى الله جل وعلا به، فإننا نجلس الساعات الطويلة في مجالس اللغو واللهو، ونسهر إلى ساعات متأخرة من الليل، ووالله لو بذلت ربع معشار تلك الساعات لأصابتك من الله نفحة ورحمة قد تكون سبباً في سعادتك في الدنيا والآخرة. إنه يعز على الإنسان لو أنه قام ربع ساعة بعد صلاة العشاء، يقلب فيها ذلك القلب أمام تلك الآيات الطيبة، وإن تيسر للعبد أن يقوم آخر الليل، فإنه أكمل وأجمل له في عين ربه، فينبغي للإنسان أن يحرص كل الحرص على قيام الليل، فإن قيام الليل من الأمور الموجبة لثبات القدم على الهداية؛ لأن العبد إذا قطع ليله في تلاوة القرآن تأثر في صباحه بذلك القيام، قال بعض السلف: (والله ما حفظت قيام الليل إلا وجدت أثر ذلك في علمي وعملي في يومي ونهاري) إنها دعوة لأن نحيي الليل وخاصة في الأسحار، فحق على الله عز وجل أن يثبت تلك الأجساد الطيبة الطاهرة التي تقلبت في جوف الليل بين يديه، فحرام على تلك العيون التي سحت بالبكاء في جوف الليل أن تمسها النار، وحرام على تلك الأقدام التي انتصبت في جوف الليل بين يدي الله أن يمسها عذاب الله وعقوبته، وحرام على تلك السواعد الطيبة الطاهرة التي أكرمها الله بقيام الليل فانتصبت بالسجود بين يدي الله عز وجل أن ترى النار أو تمسها. وجماع الخير كله: تقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله ثبت الله قدمه على الهداية، وأوجب له الولاية، قال الله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]، أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم -بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يثبت أقدامنا، اللهم إنا نعوذ بك من الضلال بعد الهدى، ومن العمى بعد البصيرة، ونعوذ بك من الحور بعد الكور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وآله وصحبه.
4.]طلب العلم الشرعي[/size]
السبب الخامس من أسباب الثبات على الهداية: طلب العلم، فطلب العلم يجعل العبد أكمل العباد إيماناً بالله ومعرفة به سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن الله جل وعلا وعد أهل العلم بالخير كله، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، فإذا اتجهت في سبيل طلب العلم، واتجهت إلى حلق العلماء تريد أن يكرمك الله بالعلم، فاعلم أن الله أراد بك خيراً، وحاشا لعبد أراد اللهُ به خيراً أن يُقلّب قلبه على الشر أبداًَ، لذلك تجدوا أكمل الناس ثباتاً على الهداية طلاب العلم، وأعرفهم بالله وأصدقهم في معاملته وأرجاهم له بعد العلماء، فقد صقلت قلوبهم روحانية الكتاب والسنة.. أولئك الذين جلسوا مجالس الذكر فحفتهم الملائكة فنجوا من شرور الشياطين ووساوسهم وخطراتهم؛ فكانوا أكمل العباد ثباتاً على طاعة الله عز وجل ومرضاته، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة). حقيق بأولئك الأخيار الذين قضوا الليل والنهار في قراءة تلك الكلمات العطرة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت الله أقدامهم.. أولئك الذين احتسبوا عند الله أن يُسقطوا الإثم عن الأمة بأن جندوا أنفسهم دعاة وهداة وعلماء، يعلمون الخير ويهدون إليه. هنا إشكال يرد كثيراً وهو: أن بعض طلاب العلم -والعياذ بالله- خاصة في هذه الآونة الأخيرة قد ينتكس عن طلب العلم، فما هو السبب في كونه ينتكس -والعياذ بالله- عن الهداية؟ والجواب: أن المراد بطالب العلم الذي أراد الله له الثبات هو طالب العلم الصادق مع الله في طلبه، المتأدب مع العلماء؛ ولذلك لن تجد إنساناً يستجمع خصلتين: الصدق في طلب العلم، والأدب مع العلماء إلا وجدته عالماً في عاقبة أمره، والعكس بالعكس والعياذ بالله! فينبغي للإنسان أن يجند نفسه لسلوك سبيل العلم علَّ الله أن يثبت بذلك قدمه على الهداية.
5.محبة العلماء والجلوس بين أيديهم[/size]
السبب الرابع من أسباب الثبات على الهداية: محبة العلماء وغشيان حلق الذكر، فإنهم هم القوم الذين لا يشقى بهم جليس، ومن أحب رياض العلماء وداوم الجلوس فيها تقرباً إلى الله وتحبباً إليه؛ ثبت الله قلبه على الهداية، وثبت قدمه في السبيل المفضي إلى رحمة الله ورضوانه، فلا تجد إنساناً يحافظ على مجالس العلماء، ويحافظ على حلق الذكر إلا كان قلبه في انشراح عظيم، ونفسه في طمأنينة عظيمة بذكر الله جل وعلا وشكره والثناء عليه. لقد جعل الله العلماء هداة مهتدين، جعلهم ورثة للأنبياء، وجعل الخير في اتباعهم والاقتفاء لآثارهم، ومن أحب قوماً حشر معهم؛ فمن أحب العلماء حشره الله مع العلماء، ومن تطفل على حلق الذكر راجياً رحمة الله بيض الله وجهه في الدنيا والآخرة وثبت له القدم حين تزل الأقدام.
6.الاستجابة لداعي الكتاب والسنة[/size]
7.سؤال الله الهداية والثبات عليها[/size]
8.تقوية شجرة الإيمان بالله في القلب[/size]
أما السبب الثاني وهو أجلها وأعظمها: تغذية القلوب بالإيمان بالله؛ لأنه ما من قلب يقوى اعتقاده في الله جل وعلا إلا ثبت ولم تزل قدمه أبداً؛ ولذلك قال بعض السلف: "ما عرف سوء الخاتمة لإنسان مستقيم في عقيدته" فإذا تغذت القلوب بالإيمان بالله، وتعرفت على الله جل وعلا حق المعرفة -عن طريق ذلك الكتاب المبين وتلك السنة العطرة النضرة- أوجب ذلك لها الثبات على طاعة الله جل وعلا. تعرفوا على الله، فإن القلوب التي تعرف الله لا تجحده، ولا تُعرض عن الله أبداً، ولذلك إذا نزل الإيمان إلى جذور القلوب اهتدت إلى علام الغيوب: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)[التغابن:11]. من ازداد في إيمانه، وزاده الصباح والمساء معرفة بمن يقلب الليل والنهار، وبمن له العشي والإبكار؛ دعاه ذلك للثبات على الهداية، وأن يكون الله أحب إليه من كل حبيب، وأرجى لقلبه من كل مرجو. إخواني! لا يمكن أن يثبت القدم إلا إذا عظم الإيمان بالله تبارك وتعالى، وهذا الكون محراب التفكر والتأمل والنظر، فقد جعل الله عز وجل فيه الدلائل الناطقة بوحدانيته، والشاهدة بعظمته وألوهيته، فإنك إن نظرت أمامك وجدت دلائل عظمته، وإن نظرت وراءك وجدت دلائل قدرته، وإن نظرت عن يمينك ويسارك ومن فوقك وتحتك -بل لو نظرت في نفسك- لوجدت دلائل عظمته وشواهد رحمته، فإذا تغذى القلب بالإيمان بالله عز وجل فإنه سيرسخ في البقاء على طاعة سيده ومولاه.