قوله تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السماوات والأرض } ذكر ابن عساكر في تاريخه عن عليّ رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسيّ حيث لا يعلمه إلا الله " وروى حمّاد بن سلمة عن عاصم بن بَهْدَلَة وهو عاصم بن أبي النجود عن زِرّ بن حُبَيش عن ابن مسعود قال : بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وبين السماء السابعة وبين الكرسي خمسمائة عام ، وبين الكرسي وبين العرش مسيرة خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه . يقال : كُرسيّ وكرسِيّ والجمع الكراسيّ .
وقال ابن عباس : كرسيه علمه . ورجحه الطبري ، قال : ومنه الكُرّاسة التي تضم العلم؛ ومنه قيل للعلماء : الكراسيّ؛ لأنهم المعتمد عليهم؛ كما يقال : أَوْتَادُ الأرض .
قال الشاعر :
يَحُفّ بهم بِيضُ الوُجوه وعُصْبَةٌ ... كَراسيّ بالأحْداث حين تَنُوبُ
أي علماء بحوادث الأُمور .
وقيل : كُرسيّه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض ، كما تقول : اجعل لهذا الحائط كرسياً ، أي ما يعمده . وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ» قال البيهقيّ : وروينا عن ابن مسعود وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله «وسع كرسيه» قال : علمه . وسائر الروايات عن ابن عباس وغيره تدل على أن المراد به الكرسي المشهور مع العرش . وروى إسرائيل عن السدي عن أبي مالك في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» قال : إن الصّخْرة التي عليها الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها ، عليها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه : وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر؛ فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات ، ورؤوسهم تحت الكرسيّ والكرسيّ تحت العرش والله واضع كرسيه فوق العرش . قال البيهقيّ : في هذا إشارة إلى كرسيين : أحدهما تحت العرش ، والآخر موضوع على العرش . وفي رواية أسباط عن السديّ عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمدانيّ عن ابن عباس ، وعن مُرّة الهَمَدَانيّ عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» فإن السَّمَوَاتِ والأَرْضَ في جوف الكرسيّ والكرسيّ بين يدي العرش
الاستواء معلومٌ ) معناهُ معلومٌ ورودُهُ في أي بأنه مستوٍ على عرشِهِ استواءً يليقُ به ، ومعنى
( والكيفُ غير معقولٍ ) أي الشَّكلُ والهيئةُ والجلوسُ والاستقرارُ هذا غير معقولٍ أي لا يقبلُهُ العقلُ ولا تجوزُ على الله لأنها من صفات الأجسام ، وسُئِلَ الإمامُ أحمدُ رضي الله عنه عن الاستواء فقال : ( استوى كما أخبَرَ لا كما يَخطُرُ للبشرِ) .
وقد ثبَت عن الإمامِ مالكٍ بإسنادٍ قويّ جيدٍ أنه قال في استواء الله : ( استوى كما وَصَفَ نفسَهُ ولا يقالُ كيف وكيف عنه مرفوعٌ ) ، ولا يصحُّ عن مالكٍ ولا عن غيرِهِ من السلفِ أنه قال الاستواءُ معلومٌ والكيفيةُ مجهولةٌ فهذه العبارةُ لم تَثبُت من حيثُ الإسنادُ عن أحدٍ من السلفِ ، وهي موهِمَةٌ معنًى فاسدًا وهو أن استواءَ الله على العرشِ هو استواءٌ له هيئةٌ وشكلٌ لكن نحنُ لا نعلمُهُ وهذا خلافُ مرادِ السلفِ بقولهم : ( والكيفُ غيرُ معقول ) . وهذه الكلمةُ قالها بعض الأشاعرة مع تنزيهِهِم لله عن الجسميةِ والتحيزِ في المكان والجهةِ وهي كثيرةُ الدورانِ على ألسنةِ المشبهةِ والوهابيةِ لأنهم يعتقدونَ أن المرادَ بالاستواءِ الجلوسُ والاستقرارُ أي عند أغلبِهم وعندَ بعضِهم المحاذاةُ فوق العرش من غير مماسة ،