بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (هُوَ الَّذي أَخرَجَ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ) الآية. قال المفسرون: نزلت هذه الآية في بني النضير وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه ولا يقاتلوا معه وقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منهم فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً وظهر على المشركين قالت بنو النضير: والله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية فلما غزا أحداً وهزم المسلمون نقضوا العهد وأظهروا العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن الفضل التاجر أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدر إلى اليهود إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن صاحبنا أو لنفعلن كذا ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم وبين الخلاخل شيء فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير الغدر وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن اخرج إلينا في ثلاثين رجلاً من أصحابك وليخرج معنا ثلاثون حبراً حتى نلتقي بمكان نصف بيننا وبينك ليسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بك أمنا بك كلنا فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثين من أصحابه وخرج إليه ثلاثون حبراً من اليهود حتى إذا برزوا في براز من الأرض قال بعض اليهود لبعض كيف تخلصون إليه ومعه ثلاثون رجلاً من أصحابه كلهم يحب أن يموت قبله فأرسلوا كيف نتفق ونحن ستون رجلاً اخرج في ثلاثة من أصحابك وتخرج إليك ثلاثة من علمائنا إن آمنوا بك آمنا بك كلنا وصدقناك فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة من أصحابه وخرج ثلاثة من اليهود واشتملوا على الخناجر وأرادوا الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت امرأة ناصحة من بني النضير إلى أخيها وهو رجل مسلم من الأنصار فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل أخوها سريعاً حتى أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فساره بخبرهم فرجع النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء على أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة وهي السلاح وكانوا يخربون بيوتهم ويأخذون ما وافقهم من خشبها فأنزل الله تعالى (لِلَّهِ ما في السَمَواتِ وَما في الأَرضِ) حتى بلغ (واللهُ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ).
قوله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ) الآية. وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا في حصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا: زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل وهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فساداً واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا. وقال بعضهم: بل اقطعوا فأنزل الله تبارك وتعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ) الآية. تصديقاً لمن نهى عن قطعه وتحليلاً لمن قطعه وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الداركي أخبرنا والدي أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي أخبرنا قتيبة أخبرنا الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فأنزل الله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصولُها فَبِإِذنِ اللهِ وَليُخزِيَ الفاسِقينَ) رواه البخاري ومسلم عن قتيبة.
أخبرنا أبو بكر بن الحارث أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر أخبرنا أبو يحيى الرازي أخبرنا سهل بن عثمان أخبرنا عبد الله بن المبارك عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع نخيل بني النضير وحرق وهي البويرة ولها يقول حسان:
حَـريقٌ بِـالـبُـوَيرَةِ مُـسـتَــطـــيرُ وَهـانَ عَـلـى سُـراةِ بَـنـي لُـؤَيٍ
وفيها نزلت الآية (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصولِها) رواه مسلم عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك وأخبرنا أبو بكر أخبرنا عبد الله أخبرنا سلم بن عصام أخبرنا رسته أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي أخبرنا محمد بن ميمون التمار أخبرنا جرموز عن حاتم النجار عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا أقوم فأصلي قال: قدر الله لك ذلك أن تصلي قال: أنا أقعد قال: قدر الله لك أن تقعد قال: أنا أقوم إلى هذه الشجرة فأقطعها قال: قدر الله لك أن تقطعها قال: فجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد لقنت حجتك كما لقنها إبراهيم على قومه وأنزل الله تعالى (ما قَطَعتُم مِّن لِّينَةٍ أَو تَرَكتُموها قائِمَةٍ عَلى أُصولِها فَبِإِذنِ اللهِ وَليُخزي الفاسِقينَ) يعني اليهود.
قوله تعالى (وَالَّذينَ تَبَوَّءُوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبلِهِم) الآية. روى جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم أن الأنصار قالوا: يا رسول الله اقسم بيننا وبين إخواننا من المهاجرين الأرض نصفين قال: ولكنهم يكفونكم المؤونة وتقاسمونهم الثمرة والأرض أرضكم قالوا: رضينا فأنزل الله تعالى (وَالَّذينَ تَبَوَءُوا الدارَ وَالإِيمانَ مِن قَبلِهِم